

السطحية التي تتعامل بها معظم النخب العربية والمعلقين والكتّاب مع انتخابات امريكا مثيرة للإهتمام نظرا لسطحيتها المفرطة
الأمر بالنسبة لهم هو أن امريكا دولة المؤسسات العظيمة ابتليت برئيس نزق عن طريق الخطأ، وبالتالي يجب التخلص منه بأي ثمن وتعود الأمور لطبيعتها
هكذا بسذاجة
لو أن هذا الطرح جاء من الذين دخلوا على خط الإنتخابات بعدما أصبحت مادة مثيرة رغم أنهم لا علاقة لهم بهذا الشأن لهان الأمر
لكن المصيبة أن هذا الطرح السطحي تبنّته نخب يفترض أنها مختصة بالسياسة ودهاليزها وتفهم في الشأن السياسي لامريكا وتعرف خلفيات كل ما يحدث اليوم
لكن المصيبة أن هذا الطرح السطحي تبنّته نخب يفترض أنها مختصة بالسياسة ودهاليزها وتفهم في الشأن السياسي لامريكا وتعرف خلفيات كل ما يحدث اليوم
ترمب لم يأت عن طريق الخطأ، فقد فاز بالرئاسة بعد أن أصبحت امريكا مهيئة لانتخاب شخصية شعبوية وطنية، تدافع عن المهمشين الذين شعروا بأن امريكا أفلتت من قبضة الرجل الأبيض، وذلك بعد فوز اوباما وتبنّيه نهجا يساريا، سحب معه الحزب الديمقراطي من الإعتدال( بيل كلينتون) لأقصى اليسار
ما نشهده اليوم من انقسام حادّ كانت بدايته مع فوز اوباما بالرئاسة قبل ١٢ عاما، فحينها شعر البيض بالخطر، وزادت حوادث العنف من الشرطة ضد السود، لأنهم كانوا في حالة خوف، والخائف يشعر بالخطر فيبدأ الهجوم، وكانت الحادثة الأبرز قتل شاب اليض متطرف لمجموعة من السود وهم يتعبدون في كنيسة
عهد اوباما أيقظ مارد الرجل الأبيض، الذي كان كامنا منذ ستينات القرن الماضي،أيام سياسة الفصل العنصري،فكان هناك استعداد لانتخاب المرشح الذي يخاطب هذا المارد، وكان المرشح هو ترمب، بسبب نصيحة مستشاره المتطرف ستيف بانون، فجاء ترمب ونفذّ وعوده لناخبيه، بما فيها بناء الجدار العازل
سطحية النخب والمعلقين تزعم أن أنصار ترمب هم النازيين السكارى فقط!!، وهذا تبسيط مخلّ، فهؤلاء المتطرفين البيض يمثلون شريحة فقط من أنصاره، وهناك شرائح أخرى تضم الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال والساسة على المستوى الفيدرالي في الكونجرس وعلى مستوى الولايات
ترمب ليس شخص معتوه يمثل المتطرفين البيض، بل "فكرة" عمادها أن امريكا تم بنائها وتحويلها إلى امبراطورية تحكم العالم على يد الرجل الأبيض القادم من اوروبا، وهذا صحيح، بدءا من الآباء المؤسسين قبل أكثر من قرنين وحتى ستينات القرن الماضي، عندما تم إقرار قانون المساواة بين السود والبيض
كثيرا ما يقال لي إن البيض مهاجرين مثلهم مثل أي مهاجر آخر، وهذا زعم غير صحيح، فالرجل الأبيض استوطن قارة معزولة يعيش الهنود الحمر في أجزاء منها حياة بدائية،ورغم الجرائم التي ارتكبها بحق الهنود وهي جرائم وحشية، إلا أنه هو الذي عمرها وبنى فيها دولة مؤسسات متحضّرة أضحت أعتى قوة عالمية
ذات مرة كنت أتجاذب الحديث مع زميل دراسة في جامعة ولاية ميتشجن من الهنود الحمر، وسألته بصراحة: هل تشعر بغضب من البيض بسبب الجرائم التي ارتكبوها بحق أسلافك
فقال لي: الماضي انتهى، ولو لم يأتي البيض لامريكا، لكنّا حتى اليوم نعيش حياة بدائية نصطاد البافولو بالسهام ومعزولين عن العالم
فقال لي: الماضي انتهى، ولو لم يأتي البيض لامريكا، لكنّا حتى اليوم نعيش حياة بدائية نصطاد البافولو بالسهام ومعزولين عن العالم
ما تشهده امريكا من احداث جنونية تستعصي على فهم البعض له خلفيات مهدّت له على مدى سنوات، فالإنقسام عميق وخطير وهو ليس انقساما سياسيا حزبيا بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل انقسام اجتماعي عرقي وايدولوجي حادّ جدا، بين البيض ومن يتحالف معهم من الأقليات وبين المهاجرين واليساريين البيض
خطورة الإنقسام الحالي هو أن البيض المحافظين ، والذين لا زالوا هم الأغلبية ويملكون معظم النفوذ والمال، ويؤمنون أنهم أحفاد من بنى امريكا، لن يتقبلوا أن تفلت منهم امريكا للمهاجرين مثل كامالا هاريس والهان عمر ولليساريين البيض، الذين يرونهم كارهين لامريكا وعملاء للخارج: هذه رؤيتهم
البيض المحافظين يرون أن ترمب هو المُخلّص، ويؤمنون ايمانا قاطعا أنه إن ذهب فسيفلت حكم امريكا منهم للمهاجرين واليسار الخائن للأبد، وبالتالي فالقضية بالنسبة لهم حرب وليست انتخابات، والحكومة تعلم ذلك، ولذا تتعامل مع الأمر كمعركة حربية:تشاهدون واشنطن دي سي اليوم ثكنة عسكرية
اذا أردت أن تفهم الحاضر فلا بد أن تستوعب الماضي،وهذا ما لم تفعله معظم النخب العربية، التي تتعامل مع ما يجري في امريكا بسطحية وسذاجة
الأمر أكبر وأعمق من ترمب ومن الإنتخابات برمتها: انقسام عرقي وايدولوجي حادّ جدا وربما تستحيل معالجته وامريكا بعد هذه الإنتخابات لن تكون كما قبلها
الأمر أكبر وأعمق من ترمب ومن الإنتخابات برمتها: انقسام عرقي وايدولوجي حادّ جدا وربما تستحيل معالجته وامريكا بعد هذه الإنتخابات لن تكون كما قبلها
