فيلم أرض الخوف
سلاما لروح احمد زكى فى ذكرى ميلاده
فيلم السيناريو الشائك و الُمعقد و العظيم فى نفس الوقت
الفيلم اللى هتحتار فى فهم معانيه او أهدافه او حتى رمزية أبطاله
فيلم يدفعك للتفكير في ماهية وجودك
احنا قدام اعظم افلام السينما احمد زكى و داوود عبد السيد فأنت قدام عمل غير عادى
ارجو ان ماحدش يزعل من الاسقاطات القوية اللى فى الفيلم و انا مش باطرح التوجه بتاعى قد ما باشرح تفاصيل السيناريو ، الأحداث بتبدأ في مطلع العام 1968 بعد هزيمة يونيو النكراء و خروج مظاهرات الطلبة المطالبة بالحرب، احنا قدام شخصية الضابط يحيى ابو دبورة المجتهد المخلص لعمله و اللى بيطلب
القيام بعملية لها اسم رمزى و هو ارض الخوف و العملية دى نتيجة انتشار تجارة المخدرات بعد هزيمة يونيو و مطلوب من يحيى انه يتحول لتاجر مخدرات محترف و انه يعيش وسط تجار المخدرات و يعرف خباياهم و يبلغ رؤسائه بتقارير عن كل اللى بيحصل ، و مصرح ليحيى انه يقتل و يعيش زى اى تاجر مخدرات
و هيكون له إسم حركى و هو (آدم)و الحقيقة ان اسم ادم هنا له دلالة رمزية و كأن ادم الأول اللى اخطأ بأكله للتفاحة هينزل فعلا لارض متوحشة ملوثة بالدم و التوحش و هنا و بقرار من رؤسائه بيتحول يحيي من ضابط شرطة إلى تاجر مخدرات و بينخرط يحيى (ادم) فى مهمته الى حد انه بيخرج من جواه طاقة
الشر اللى ماكنش متوقع انها تكون بالكم ده و مع اول جريمة قتل بيرتكبها يبدأ آدم يشعر بالتحول العجيب في شخصيته، و حالة الإرباك و التمزق بين كونه ضابط شرطة و بين احساسه انه تحول لتاجر مخدرات حقيقي،داوود عبد السيد بيستعمل صوت يحيي ابو دبورة لرواية الأحداث و كأنه سرد قصصى من واقع
مذكرات شخصية مكتوبة ، يحيي بيتحول لتاجر مخدرات كبير بعد قتله للمعلم بسيونى(مخلص بحيري) و بيقدر يصنع لنفسه مكانة وسط التجار الكبار و رغم كدة فهو في حالة صراع بين كونه ضابط و بين تحوله لتاجر سموم، و بيزيد احساسه بالوحده بعد ما يعرف ان اللواء مأمون اللى كلفه بالمهمة توفي و تزيد جواه
حالة الصراع النفسي اللى بيخليه دايما يحس انه فقد شخصيته الحقيقية و فقد الجزء الاهم و هو إنسانيته و تحول لشخص مسلوب الإرادة و ان المسافة الآمنة بينه وبين نفسه بدأت تتقلص و خصوصا بعد تعمق علاقته بالمعلم هدهد (حمدى غيث )و وقتها يحيى بيتحول لاسطورة في عالم المخدرات و نفوذه بيزداد جدا
فى ذات الوقت هنسمع صوت يحيى فى الخلفية بيحكى عن كم المعاناة اللى هو عايشها نتيجة انفصاله عن واقعه الحقيقى. .السرد بيحكى عن 20 سنة فى قصة حياة يحيي من 1968 و حتى 1988 وقت انتشار تجارة المخدرات بشكل جنونى و كأن المخرج اراد القول ان متلازمة الهاء الشعوب عن اوجاعها بيكون من خلال نشر
المخدرات بين ابنائها ، ادم بيظل يصارع جوة نفسه و هنلاقى ان مساحة الشك بتزيد و مساحة اليقين بتتقلص، يحيي بيشك ان رؤسائه تخلوا عنه بشكل كلى رغم انه مازال مستمر في ارسال التقارير بصفة منتظمة ، و هيجد نفسه محاصر من الشرطة بشكل كبير و فى نفس الوقت هو مباح دمه من تجار المخدرات الكبار
يحيى مش قادر يستوعب هو مع مين ضد مين
و مين معاه ضد مين؟
و هل هو مطارد من الشرطة فعليا و لا ( كدة و كدة)؟
بيروح يحيي لصديقه عمر ( عزت ابو عوف) رئيس قطاع مكافحة المخدرات و بيحكى له قصته ، عمر مش بيصدقه رغم كشف يحي لكل حقيقة المهمة
الأدهى من كدة ان يحيى هيكتشف كارثه اكبر و هى ان كل
التقارير اللى كان بيبعتها لرؤسائه ماكنتش بتوصل و انه و بطريق الخطأ وصلت لموظف في البريد اسمه موسي ( لاحظ رمزية الاسم )
موسي مايعرفش طبيعة المهمة اللى محطوط فيها يحيي..لكنه بيقابله و يدور بينهم حوار فلسفي وجودى شديد الذكاء و الحبكة عن " الماهية" او الهوية بمعنى آخر و قدرته على انه
يشوف معانى التحول اللى حصل فى شخصيته و هل فعلا هو تحول لضحية و اصبح هو الفريسة اللى الكل بيدور عنها؟
خلينا نروح للخيوط العريضة فى الفيلم و هى البعد الزمانى اللى اختاره داوود عبد السيد فى فترة اواخر الستينيات و كل السبعينيات و نهاية الثمانينيات حيث يتصاعد توغل تجارة المخدرات بشكل
قوى و إسقاط واضح على ان الأنظمة الحاكمة قد تتغاضى عن فشلها في صنع حياة افضل لمواطنيها فتضعهم في الفكرة المعروفة بالالهاء من خلال المخدرات لصرف الأنظار عن عدم وجود طموح كافي لديها او من خلال فتح باب هجرة الشباب إلى الخليج للعمل و هو ما تغاضى عنه المخرج بسبب هدفه الاساسي من الفيلم
البعد الاخر و هو البعد النفسي حيث ضياع الهوية فى شخصية يحيى ابو دبورة الذى يتحول من ضابط إلى تاجر مخدرات محترف و لا يستطيع العودة إلى ماكان عليه سابقا و كأن داوود عبد السيد عاوز يقول إن مشكلة الهوية المفقودة بدأت في وقت مبكر من بعد ما حصلت تحولات جذرية في المجتمع المصري و بدأ
يفقد شخصيته و هويته و يتحول إلى مجرد صورة لاخر لا يشبهنا رغم قبولنا اداء شخصيته، و يحيي يعاتب نفسه قبل النظام الذى زرعه وسط بيئة متوحشة و بوثيقة مكتوبة تؤكد انه ضابط شرطة و يحق له القتل دون مراجعة من احد، النوازع البشريه الثقيلة اللى بتهد الإنسان من جواه و بتخليه مش عارف هو مين
احد المشاهد يحيي بيبص لايده و يدقق النظر فيها عشان يتأكد انه عايش و انه شخص حقيقى..البعد الانسانى كمان بيطرح نفسه بقوة في منظور وجودى بين يحيى اللى بيتحول لآدم اللى نزل من الجنة لعذاب الأرض و حتى اختيار الاسماء للشخصيات كان رائع (ادم، هدهد؛يحيي، موسي، يونس) و كأنها رسالة منسوخة
من عهد قديم بكل حبكته المعروفة و بتتجسد في واقع جديد احنا بنعيشه في عصرنا ، كل واحد فينا يكاد يكون هو نفسه (يحيى) اللى بيتحول (لآدم )مع اختلاف الاسم و الاتفاق على فقداننا للهوية، موسي في الفيلم دايما يقول " و ما انا إلا رسول " و للأسف موسي بيموت قبل ما يحيى يعرف منه اى معلومة
و انت بتتفرج على الفيلم يمكن تتفاجئ بموسيقى الفيلم اللى ألفها العبقري المصري راجح داوود. .هتنبهر..هتروح لبعيد جدا و انت بتسمع نوع جديد من الموسيقي. .اول مرة فيلم مصرى يستعمل آلة البان فلوت عشان تكون فى كل مشهد من الفيلم مع جوقة كاملة من آلة التشيلو الحزينة..و مجموعة الفيولينات
اللى بتبحث في اعماق روحك عن الهدف الضابع جواك..ال humming المصاحب للموسيقي اشد عبقرية و كأنه خارج من اعمق نقطة داخل النفس الإنسانية و اللى هيفكرك دايما انك انسان محتاج ترجع لبراءتك اللى ضاعت منك يوما ما
هاخصص مراجعة لموسيقي راجح داوود لانه عبقري حقيقي و متميز
ختاما : فيه اجيال تاهت و فقدت هويتها بسبب فساد من قادوهم، و فيه اجيال بتتطلع انها تكون مالكة لهويتها و بلا شك هتنجح، فرصتك انك تمتلك هويتك بيرجع لاراداتك و لعقلك، الظروف ممكن تصنع منك بطل و ممكن تصنع منك شخص فاقد لهويته..
مفاتيح شخصيتك في ايدك..مش فى ايد غيرك
رحم الله احمد زكى.
You can follow @DoctorAmir14.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled:

By continuing to use the site, you are consenting to the use of cookies as explained in our Cookie Policy to improve your experience.