ما حدث اليوم في ملف المحكمة الدولية حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري يستدعي اعادة قراءة للمشهد اللبناني لا سيما في ظل انفجار المرفأ والذي يمكن اعتباره نقطة فاصلة كاغتيال الحريري وحرب تموز 2006 والثورة في سورية ومن ثم الحرب السورية في استشراف القادم.
في حكم المحكمة الدولية، لا يبدو أن أحداً خرج راضياً، لا فريق الحريري وحلفاءه ارضاهم الحكم ولا الطرف المقابل معترف اصلا بالمحكمة (حزب الله وحلفاءه)، وكلام الرئيس سعد الحريري يؤكد مجددا أن العودة للتفاهمات الداخلية هو الخيار الأنسب مع تأكيده على القصاص من المتهمين
لكن تبقى مسائل عالقة من إرث التحقيق الدولي اعاقت واقعاً الوصول إلى الحقيقة المرجوة حول جريمة الاغتيال والتي بحسب ملحقات القرار اليوم لا سيما في ملف الضباط الأربعة وشهود الزور واسلوب فريق التحقيق الأول حولت الأمور نحو التسييس وبالتالي ضرب المصداقية وهنا ساستفيد من هذه المقتطفات:
في لقاء مع أحد المحققين الدوليين الذي يظهر لاحقا انه ديتليف ميليس وكان يرافقه المحقق الالماني غيرهارد ليهمان جرى الطلب إلى اللواء جميل السيد @jamil_el_sayyed تقديم متهم والا سيكون هو المتهم، بحسب افادة السيد.
لم تورد الوثائق الصادرة عن المحكمة نفياً لهذه الحادثة، لا من ميليس ولا من ليهمان. ولاحقا يعطي السيد تفصيلا اضافيا عن الضغوطات التي تعرض لها لايجاد كبش فداء من ضمن ذلك ما عرضه عليه احد المسؤولين الاستخباراتيين الغربيين والذي طلب اليه تقديم نصيحة للرئيس السوري باتهام رستم غزالة
هذا نموذج، وقضية الضباط الأربعة ليست تفصيلا عاديا في هذا الملف، لأنها كانت في صلب مسار التحقيق. عملية التسييس بدأت من هنا من قبل اطراف في الداخل والخارج ظنوا وقتها أن التيار جارف وبالامكان تصفية الحسابات تحت هذا العنوان. هنا أيضا يبرز ملف الشهود المضللين للتحقيق
الشهود الزور عاثوا فسادا في التحقيق بحيث باتت الروايات تتبدل وفجأة اختفى الشهود ولَم يعد يعرف عنهم شيئا، لا سيما كبيرهم محمد زهير الصديق، وأدى هذا الملف في لحظات سياسية حاسمة إلى فوضى سياسية لا زلنا نعيش ارتداداتها حتى اللحظة https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2010/09/100906_bk_lebanon_tribunal_witnesses
لم يُعرف (بعيدا عن الاتهامات السياسية) من ادخل الشهود الزور إلى المعادلة ومن أخرجهم منها، وبقي الأمر بمثابة لغز محيّر اذ أن معرفة من خلفهم سيؤدي بطبيعة الحال إلى ادانة صريحة قضائيا. وبعد سقوط هذا الملف بدأ ملف آخر بعنوان داتا الاتصالات وهو الذي بنت عليه المحكمة ما تبقى من مسارها
الزملاء في قناة الجديد وعلى رأسهم الاستقصائي @riadkobaissi اعدوا تحقيقا في العام 2014 بعنوان "هيا بِنَا نلعب بداتا الاتصالات" قدموا فيه استعراضا للثغرات التقنية التي تسمح بالتلاعب بداتا الاتصالات، اكان ذلك في لبنان أم خارجه.
هنا مجددا نقف أمام سؤال يتطلب حسماً حول امكانية الركون إلى الداتا من عدمه لا سيما أنها لم تقدّم تسجيلا صوتيا وارتكزت بشكل رئيسي حول تحركات الهواتف المصنفة على اساس الوان مختلفة في محيط مسرح الجريمة واماكن اخرى مرتبطة بها. كما يعيدنا إلى اسئلة اخرى طرحت خلال ما مضى من اعوام
الداتا التي ادانت عياش هي ذاتها التي برأت الثلاثة الآخرين، بالتالي لو أن ظروفا مختلفة حكمت حركة هاتف عياش والآخرين لربما ادانتهم وبرأته، الأدلة الظرفية قد تلعب في اكثر من اتجاه ولعل الآخرين كانوا يستخدمون ادوات اتصال أخرى، وكذلك يمكن أن يكون هاتف عياش مستنسخا لا أحد يمكنه الحسم.
وهذا بدوره يعيدنا إلى نقطة الصفر، أي لحظة وقوع انفجار السان جورج واغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلا ذلك من عبث بكل شيء، من مسرح الجريمة إلى التحقيق إلى الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان.
النتيجة وبعد 15 عاما على الجريمة واكثر من نصف مليار دولار من التكلفة والكثير من ال ربما ولعل وكأن، هناك مدان واحد بشكل صريح اسمه سليم عياش، وثلاثة آخرين لم تثبت عليهم الجريمة، ومصطفى بدرالدين الذي منعت عنه المحاكمة لموته، وكلهم من حزب الله، والحزب غير معترف بالمحكمة من الأصل
ماذا بعد؟ هل سيعمد حزب الله إلى تسليم سليم عياش كما طلب الحريري وبذلك تقفل القضية (وهذا غير متوقع بحكم ما ذكرناه سابقا وتصريحات قادة الحزب)؟ أم ستذهب الأمور مجددا إلى صراع سياسي أشد عنوانه تسليم عياش وارتدادات ما بعد الحكم؟ أم تولّد المرحلة ديناميات جديدة مبنية على محددات اليوم؟