**صندوق احتياطي الأجيال**

بما أن الموضوع هو حديث الساعة، ولأهميته لنا كمواطنين،

ففي هذه السلسلة من التغريدات، سأشرح بشكل مبسط دور الصندوق وسياسات وضوابط الصرف فيه رأي بسيط في طريقة تطوير منظومة هذا الصندوق،

نبدأ بسؤال مهم:

هل من حق هذا الجيل أن يتصرف بهذه اللامسؤولية؟

١
"نظرا لما لوحظ من كثرة السحب من الإحتياطي بصدور قوانين خلال كل سنة مالية بفتح إعتمادات إضافية وأخذ ما يغطيها منه،فقد أصبح لزاماً تكوين احتياطي خاص لتأمين مستقبل هذه الأمة يبقى مخصصا للغاية العليا التي رصد من اجلها ولا يجوز المساس به وبذلك نضمن لشعبنا كرامته وعزته في يومه وغده"

٢
هكذا وُصف صندوق الأجيال القادمة في مذكرته الإيضاحية حين إنشاءه،

بحيث تقتطع نسبة قدرها 10% من الإيرادات العامة للدولة ويتم استثمار الرصيد ويضاف عائد استثماراتها إلى هذا الحساب.

أولا.. لماذا تأسس صندوق للأجيال القادمة؟

٣
الثروة النفطية كما وصفها عدة مختصين هي ثروة أُصول موجودة تحت الأرض، وإستخراجها ينبغي أن يكون فيه قيمة مضافة (ليس فقط لسد المصروفات)،

فالإيراد النفطي يجب إستخدامه في استثمار يولد فائدة أكثر من بقاءه تحت الأرض، وأهمها الإستثمار في البلد (بنية تحتية) والاستثمار البشري والمالي،

٤
لم يكن هناك في معظم الدول سياسة خلق صناديق سيادية، صندوق دولة الكويت أول صندوق أنشئ لغرض دعم الجنية الإسترليني، كون الصندوق وتعاملاته كانت في "لندن"،

ولان الانتاج النفطي أكبر بكثير كعائد مالي من مصروفات الدولة ولكن كان لأسباب سياسية تتعلق بالحاجة الاقتصادية العالمية للنفط!

٥
بالتالي أنتجنا نفطاً أكثر من قدرة اقتصادنا، وتم الصرف عليه للنهضة التعليمية والعمرانية في البلد والباقي وضع في صناديق الاستقرار الاقتصادي.

تُعرف صناديق الثروة السيادية بأنها أدوات استثمار حكومية مكونة من أصول مالية من أسهم وسندات وغيرها من الأدوات المالية،

٦
وتُشكل موارد الصندوق من فائض الميزانية،

ثانياً.. بداية صندوق الأجيال وبماذا يستثمر الصندوق؟

أنشئ احتياطي الأجيال القادمة في ١٩٧٦ ويتكون من استثمارات تتم خارج الكويت في أدوات استثمار حكومية ومساهمة خاصة مكونة من أصول مالية من أسهم وسندات وغيرها من الأدوات المالية.

٧
إلا أن لا أحد يعلم تفاصيل هذه الاستثمارات وحجمها حيث لا يتم الإعلان عنها بشكل رسمي وكل ما هو متداول يكون إما عن تسريبات صحفية،او افصاحات خارجية، او تقديرات لمؤسسات مالية عالمية.

يصل العالم اليوم لحوالي مائة صندوق سيادي في العالم، وفقًا لمعهد الصناديق السيادية،

٨
ويصنف معهد صناديق الثروة السيادية صندوق الأجيال بأنه رابع أكبر صندوق ثروة سيادي والأقدم عالمياً بحجم يبلغ (تقريبا) 592 مليار دولار وتسبقه في الترتيب صناديق النرويج والصين والإمارات.

وتتوزع الأصول بين 45% أسهم و20-25% سندات والعقار نحو 10%، الاستثمارات البديلة تبلغ 15%.

٩
وبحسب بيانات حكومية فإن خريطة استثمارات الكويت تظهر ما نسبته 55% من الاستثمارات في أمريكا،

كان هناك عدد من الصفقات التاريخية للصندوق مثل شراء حصة استراتيجية في شركة دايملر المالكة لمرسيدس وحصة في شركة BP عملاق الاستكشاف البترولي والتي أثارت ضجة في مجلس الشعب البريطاني.

١٠
سياسة الصرف

لم يحدد قانون انشاء الاحتياطي آلية للصرف او السحب، واكتفى بقول "لا يجوز اخذ أي مبلغ منه"

مع تغير رتم الإقتصاد العالمي وتسارعه، أصبح لازماً أن يكون هناك خطة صرف واضحة تعمل الجهات بمحتواها ولا يترك الموضوع مفتوح للتقدير العام وتكون بذلك عرضة للموأمات السياسية.

١١
ومن المهم أيضاً تحديد أوجه الإستدانه من صندوق الأجيال لكي لا يكون "عادة" تشريعية تربك فيها عمل واستراتيجيات الهيئة العامة للإستثمار بما أنها الذراع الإستثماري للدولة.

فوجوب سياسة صرف يعرفها المُشرع قبل التنفيذي!

هناك حالتين في تاريخ الكويت تم السحب فيها من احتياطي الأجيال.

١٢
أولها حدث في مجلس الأمة ٩٢ بالإستدانة من صندوق الأجيال لإعادة إعمار الكويت بعد الغزو العراقي حيث لعب دور رئيسي ومحوري،

ووجوده في لندن لم يمكّن العراقين المساس به أو تجميده،

وثانيها إقراض صندوق الأجيال لصندوق الاحتياطي العام في العام ٩٩ لتعزيز السيولة وتمويل الميزانية.

١٣
هنا نطرح تساؤل مشروع عن علاقة الاحتياطي في الميزانية العامة،

فبعكس الصناديق السيادية الاخرى لا توجد الية واضحة للاستفادة من العوائد الاستثمارية،

أؤمن بدور صندوق الأجيال وأهمية تعظيمه وعدم المساس به، ولكن..

١٤
بالنظر الى أمثلة اخرى مثل النرويجي (يحدد نسبة من عائد الاستثمار لدعم الميزانية) والسنغافوري يعتمد على سياسية المساهمة المباشرة Net Investment Returns Contribution (NIRC)

ونستطيع بذلك الإستفادة من بعض الدول في سياسات الصرف الواضحة لصندوقها السيادي،

١٥
ففي العام ٧٦ قررت النرويج (صاحبة اكبر صندوق سيادي بالعالم تأسس سنة ١٩٩٥) ألا تنفق من النفط إلا 4% للنفقات العامة،

بإيمانهم أن الثروة حق لأجيال لا نهائية قادمة، وهو تفكير إقتصادي محترف بالدولة المستمرة والقوية،

تلك السياسة المالية هي عكس السياسات التي تتبعها المنطقة!

١٦
وكذلك في النرويج يُسمح بإستخدام 25% من عوائد الصندوق لتغطية عجوزات السيولة وموازنة المالية العامة.

مع الأسف، في البلدان العربية يتم التركيز على الوضع الحالي بعيداً عن المستقبل، وهذا ما نقرأة في #وثيقة_الشيتان من تفكير آني بدون اكتراث للمستقبل ولا بالمواطن!

١٧

#اقتصاد
وهنا يبقى السؤال:

في ظل إستمرار العجوزات المالية وتراجع اسعار النفط وتأخر الاصلاح الإقتصادي لن تستطيع الدولة بتحقيق الرغبة السامية من قانون الأجيال وهي "ضمان الكرامة للشعب وأجياله القادمة" إلا بإصلاح شامل لكل مفاصل الدولة الإقتصادية والمالية ووقف الهدر الكبير في الميزانية.

١٨
فمثال على جوانب الهدر:

أطلعتنا بعض الصحف على أن وقف استقطاع احتياطي الاجيال سيوفر مليار دينار على الميزانية،

وقبل أقل من شهر أطلعتنا نفس الصحف على أن الميزانية وفرت قرابة مليار دينار بوقف (رحلات العمل، الرعايات، الحفلات، الهدايا، الخ)

هذا بحد ذاته يدل على كمية هدر مخيف!

١٩
ضوابط الصرف

وأهما معرفة سعر الفائدة مقارنة بعائد الإستثمار؟

بمعنى، عوائد الإستثمارات لصندوق الأجيال –تقديرات لمؤسسات عالمية- هي بين 4-5%

في حال سعر الفائدة من البنك المركزي أقل من عائد الاستثمار، فمن الأجدر الإستدانة "دين عام" لأن تكلفة سداد القرض أقل من عوائد الإستثمار،

٢٠
وإذا تم تسييل أصول فقد تخسر الدولة فرصة استثمارية بديلة تكون عوائدها أفضل ونكون بذلك قد خسَرنا المال العام.

فضوابط الصرف ومنها التسييل والإستدانة يجب ربطها بالأوضاع الإقتصادية العالمية ولا تترك للتقديرات السياسية في مجلس الأمة.

٢١
فلسفة الصناديق السيادية

تأسيس صندوق لإدارة أصول الدولة هي فكرة استراتيجية ذكية للكويت في وقتها،

إلا أن الفكرة سيتوقف نجاحها على وجود الإدارة الاقتصادية ذات الكفاءة العالية، التي سيقام عليها الصندوق، والتي ستتولى مهمة الإدارة.

٢٢
المسألة المهمة في مفهوم الصناديق السيادية، ليست كم ربحت/خسرت على المدى القصير؟

الفكرة أكبر وتشمل أهداف استراتيجية، من بينها الاقتصاد السياسي،

رغم أن الكويت هي الأولى في تطبيق فكرة الصناديق السيادية، وبعد ٦٠ عام لم نصل للإستدامة المالية التي ما زالت تعتمد على النفط!

٢٣
لاشك ان الكويت استخدمت على مدى ٥٠ سنة ماضية جزء كبير من ايرادات الدولة بشكل جيد في الاستثمار في البنية التحتية والتعليم،

إلا أن جزء كبير ذهب لمصروفات تشغيلية، وإلى اسراف يسمى توزيع الثروة على المواطنين. قد يكون الهدف نبيلاً، لكن يحوله من استثمار ذو قيمة، الى استنزاف!

٢٤
وهذا يفرض علينا سؤالاً أخلاقياً: هل من حق هذا الجيل أن يتصرف بهذه اللامسؤولية؟

بإعتقادي نحتاج لدراسة تتعلق بإيرادات الدولة منذ تصدير النفط،

وبغض النظر عن الربحية هنا..

كم من هذه الإيرادات وجّه الى استثمار بغرض استثماري وكم منها وجّه الى غرض غير استثماري؟

٢٥
الإجابة ستمكن الدولة من إعادة النظر في كيفية التصرف في الإيرادات، وتوجها إما للإستثمار الآني (تعليم، بنية تحتية، صحة علاجية) أو إستثمار مالي في صناديق إدخار وصنادق إستقرار.

وأخيراً .. بالنظر للمستقبل، ما هي فلسفة الصناديق الجديدة؟

٢٦
في شركة كوريا للاستثمار، يظل السعي الآن إلى زيادة التركيز على الاستثمارات البديلة (الطاقة النظيفة، الابتعاد عن الاستثمارات النفطية) بحلول عام 2021.

أحد أبرز الاستثمارات المستقبلية هو الشراكات بين الصناديق السيادية والشركات العائلية، ايضاً زيادة الاستثمار المحلي للصناديق.

إنتهى
المصادر في التقرير:

١- Faculté des Sciences Economiques, des Sciences Commerciales et des Sciences de Gestion -FSESCSG- اصلاح النظام المالي والتنمية المستديمة،

٢- كتاب الطفرة النفطية الثالثة وانعكاسات الأزمة المالية العالمية،

٣- كتاب صناديق الثروة السيادية: الواقع والآفاق.
You can follow @aljouan.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled:

By continuing to use the site, you are consenting to the use of cookies as explained in our Cookie Policy to improve your experience.