في شخص اسمه (إدوارد بيرنيز) مش سياسي ومش رجل دين ومش سليل عائلة حاكمة ولا حتى شخصية ذات ثراء فاحش، لكنّه معروف بأنّه قام بالتلاعَب بالشعب الأمريكي. ثريد عن تلاعُبه بالأمريكان والطليان والإسبان وبالعالم وبحضرتك شخصياً كمان.
تعرَّفت على إدوارد بيرنيز خلال حضور سيرته بسلسلة وثائقيات The Century of the Self وسرعان ما اتضحلي أنه كان من أوائل "بائعي الأفكار" في القرن العشرين. حقيقة مرور 25 سنة منذ وفاته بتوفر فرصة مناسبة لإعادة الحديث بالشيء يلي كان يبرع فيه.
القصة بدأت بعد الثورة الصناعية الثانية، يعني بعد الفترة يلي قَلبت الدنيا رأساً على عقب واتغيَّرت ملامح العالم فيها، التغيُّرات بعد الثورة لصناعية كانت تدريجية لكنها طالت كل شيء، حرفياً كل شيء، ليصبح العالم مختلف تماماً عن يلي كان عليه.
ما رح نخوض بكل التغيرات يلي صارت في تلك الفترة لانها مش موضوعنا، لكن بحتاج اذكُر إنّو بعد الثورة الصناعية زاد عدد السّكان بشكل كبير، وبِسبب التَطورات الصناعية صاروا هدول السكان ينتقلوا من الريف إلى المُدن الصناعية للبَحث عن العمل.
هدول الناس شَكّلوا ما يُعرف بالطَبقة المتوسطة، وكانت طبقة كبيرة بتَتمتع باموال و رفاهية ما كانوا يتمتعوا فيها أسلافهم المُزارعين، وبالتالي شَهِدت هذه الفترة كمية شراء للبضائع والخدمات من قِبل المواطنين -أبناء هاي الطبقة- بكميات أكبر عن الحاجة من أي وقت سابق(المعروف بالإستهلاكية).
المشكلة يلي بدي أوصَللها هي إنّو بسبب هاي الحالة من الإستهلاكية مع الزيادة الكبيرة جداً بالإنتاج والصناعة صار العرض أكبر بكتير من الطلب، وبالتالي صاروا أصحاب الأعمال يفكروا بجميع الطُرق الممكنة لبيع منتجاتهم ومنافسة غيرهم من أصحاب الأعمال بالأسواق..
الأمر يلي شَكّل بداية ما يُعرف بـالدعاية الحديثة او ال(modern advertisement)، وهون بتبلش قصتنا مع "إدوارد بيرنيز".
إدوارد هو شخص نمساوي انولد بال1891 وعاش حياته باميركا، كِبر ودخل الجامعة تخصص زراعة، وبس تخرّج ما لقى حاله بهاد التخصص فقرر كونه صاحب مهارات لغوية وصحفية عالية إنّو يشتغل بمجال يستغل فيه هاي المهارات، فاشتَغَل كـ"وكيل صحافة مسرحي"، شو يعني هالكلام؟
يعني هو الشخص يلي بيكون مسؤول عن إنشاء دعاية لعرض فنّي مسرحي، أي إنّو بيعلِن للجمهور -في ذلك الوقت- عن وجود عرض فني ما من خلال الراديو والصحائف، وبيحاول ينشره قدر الإمكان عشان ينَجِّح هاد العرض.
نجح إدوارد نجاح فظيع بتسويق هاي العروض، خصوصي إنّو كان يسوِّق لعروض مسرحية تعتبر مواضيعها تابو وجدلية في ذلك الوقت، مثلاً أحد المسرحيات كان موضوعها بيدور حول واحد من الأمراض التناسلية الغير قابلة للشفاء وهاد كان موضوع صعب يتسوَّقله نظراً للمجتمع المحافظ وقتها
لكنه على غير السائد كان ناجح في استقطاب الجماهير لهالنوع من العروض.
من هون اكتشف إدوارد شغفه الحقيقي، ففتح مكتب علاقات عامة بعد الثورة الصناعية التانية
هاد المكتب بيعني إنّو أصحاب الأعمال يلي بدهم ترويج (لأعمالهم-أفكارهم-منتجاتهم-خدماتهم...الخ) كانوا يروحوا عند إدوارد ليسوِّقلهُم أعمالهم وياخدوا استشارات بتتعلق بالدعاية والإعلان منه.
الوقت يلي فتح فيه إدوارد مكتبه كان العالم فيه متأخر جداُ بعالم الدعاية، يعني في ذلك الوقت (بعد الحرب العالمية الاولى) كانت الإعلانات عبارة عن حقائق صريحة وبسيطة جداً عن المنتج أو الخدمة، ببساطة مجرد بيان دقيق عن مزايا امتلاك هالمنتج.
لكن إدوار ما كان مقتنع إطلاقاً بهالطريقة في الدعاية والاعلان، وكان إلو وجهة نظر اخرى.
إدوارد كان يعتقد أنّ الإعلانات ممكن تكون فعّالة اكتر بكتير إذا استوعب المُعلِنون "سيكولوجية الجماهير"، اي إذا استطاعوا فِهم عواطف المستهلكين ورغباتهم وطلباتهم اللاواعية(ورَكزولي على "اللاواعية")
...عندها يمكنهم تسويق المنتجات بنجاح وإرضاء المستهلكين إلى أبعد الحدود.
هاي الأفكار بديهية بأيامنا الحالية، لكنها كانت على وقتهم أفكار دعائية ثورية جديدة، ساعد إدوارد على نشرها ورواجها وإعتيادها بين الناس.
فمثلا أي شركة سيارات في ذلك الوقت كانت بتسوِّق لسيارتها من خلال نشر حقائق حول مدى جودتها، بينما إدوارد كان يعتقد أن التسويق يجب أن يتمحور حول الترويج لها كرمز للوضع الإجتماعي والثروة والسلطة، بحيث يُخاطِب رغبات الناس الدفينة واللاواعية بالظهور بصورة اجتماعية رفيعة أمام المجتمع.
عُملاء إدوارد ما كانوا مُقتَصِرين على أصحاب الأعمال يلي بدهم يبيعوا خدمة أو منتج للناس فقط، فشارك إدوارد خلال الحروب العالمية والأحداث السياسية بإطلاق حملات للتلاعُب بآراء العامة لتغييرها لمصلحة جهات مُعيَّنة. كان سلاحه الأساسي في هذه العمليات هو "البروباغاندا".شو هي البرباغاندا؟
حسب تعريف إدوارد إلها بكُتبه : هي الآلية يلي بتنتشر فيها الأفكار على نطاق واسع، أي عبارة عن جُهد منظم لنشر مُعتقد او فكرة معينة".
بشكل أساسي "البروباغانديون" بيستخدموا الإعلام متل المجلات، الصحف، الإذاعات، الإنترنت، والفيديوهات للتلاعب بالجماهير في قبول أفكار معينة.
وقبل ما نحكي عن بعض الحملات الدعائية الشهيرة يلي عملها إدوارد بيرنيز لتغيير مفاهيم الدعاية القديم بشكل جذري، بتوقع من المهم إنّو نفهم منهجيته بشكل مُبسّط، يعني كيف كان يقدر يأثر على العامّة بشكل نافذ جداً؟
1-الرمزية: إدوارد كان مؤمناً كبيراً بالرمزية. شو يعني؟ يعني أنّ الفكرة أو المُنتج ممكن يصيروا حركة (movement) إذا عبّروا عن اشياء أكبر منهم واصبحوا رموزاً لها.
(أي أن ينشهر المنتج بشكل اساسي ليس بسبب مواصفاته بل بسبب الفكرة التي اصبح يُمثلّها).
كمثال مناسب لعصرنا الحالي (فكروا بأديش في أشخاص بيشتروا أحدث انواع الموبايلات فقط في سبيل الإرتقاء في سلم المستوى الاجتماعي والمادي في أعين الناس، و لو تيجي تسأله ليش اشتريته أكيد طبعاً رح يسردلك بثقة مميزاته يلي هو ما بيستخدم 20% منها.
اللاوعي تبع هدول الأشخاص بكون عارف إنّو إشترى الموبايل للفشخرة لكن هو نفسه بكون رافض تصديق هالفكرة).
لذلك إدوارد كان يعتقد أنّ الطُرق غير المباشرة للبيع يلي بتروق لأفكار المستهلكين الغير واعية وعواطفهم ورغباتهم أكثر قوة من البيع المباشر للمستهلِك باستخدام الحقائق فقط.
(طبعا لا حاجة لذِكر إنَّك عُرضة لهالكلام شاء الوعي تبعك ام أبى، وهاد طبعا بيعتمد على نوع المُنتج يلي بتضعَف أمامه، ويلي إنتَ ممكن تبررله بإنه من الأساسيات، لكن أنا بعرف وإنت بتعرف والكل بيعرف إنه الحقيقة مش هيك أبداً).
٢-المؤثرون: إدوارد استخدم الشخصيات المؤثرة والموثوقة ذات القواعد الجماهيرية للمساعدة في نشر الرسائل والأفكار أو المنتجات. الشيء المعروف باسم الinfluencer marketing. (لاحظوا هالكلام كان بأوائل ال1900 مش بزمن الإنستغرام يعني كان اشي جديد وثوري).
٣-من خلال الضغط: من خلال تغيير أعراف ومعايير الناس تَمَكّن إدوارد من فرض ضغط إجتماعي على المستهلكين حتى ينجبروا إنهم يشتروا أشياء هم بالأصل مش بحاجتها ابداً، بس عم يشتروها فقط من أجل أن يتلائموا وينقبلوا من المجتمعات (to fit in)
4- التكنيك الأخير يلي استخدمه هو "عمل ترويج للمنتج في كل مكان وكل وسيلة وفي كل الأوقات"، ليَحتلّ المُنتج او الخدمة او الفكرة المكانة الأضخم في أكبر عدد ممكن من عقول العامّة.
بتعرفوا كيف مرات بتتسائلوا إنّو ليش شركة متل كوكا كولا بتضلها تعمل دعايات مع إنها شركة معروفة جداً، يعني شو الهدف؟ الهدف هو إنها تضلها ببالك وبعقلك وأوَّل خياراتك طول الوقت، وهاد الشيء ضروري لأن التنافس شديد جداً فبالتالي تحصيل مكانة للمنتج في عقول الناس هو أمر مهم وصعب للغاية.
و كمثال تاني خلينا نفترض إنَّك صاحب شركة بتبيع باستا، فمُنافسينك مش موجودين فقط بشركات الباستا الأُخرى، بل مُنافسينك بشملوا جميع بائعين المواد الغذائية ايضاً، لأن الأفراد محدودين في خيارات الطعام يلي رح يتناولوها في اليوم الواحد....
....عشان هيك رح يصير بدك تروِّج لشركة الباستا تبعتك أكتر من كل البائعين التانيين وبكل مكان وبجميع الوسائل، لإنك بدك الباستا تبعتك تكون وحدة من الخيارات المهمة يلي رح تشغل عقل المُستهلك وقت ما يفكر "همممم شو أشتري أغراض للبيت من السوق؟".
يعني هيك منكون شرحنا بشكل مقتضب أهم منهجياته في التسويق. طيّب كيف شخص متل إدوارد خريج كلية زراعة ممكن يوصل لهالأفكار يلي كانت ثورية في ذلك الوقت؟
الجواب هو إنّو إدوار كان مُتأثر بشكل ملموس بالعلوم الإنسانية والإجتماعية وبعض علماء النفس، وبالذات أفكار خاله عالم النفس والأعصاب الشهير سيغموند فرويد، حيث يُعتبر إدوارد اوّل من طبّق نظريات خاله على أرض الواقع واستفاد منها.
هلئ بعد ما فهمنا أكتر عن اساليب إدوار بيرنيز، خلينا نذكُر بعض حملاته الدعائية الخارجة عن المألوف:
بعد الحرب العالمية الأولى بتيجي شركة دخان تُدعى(lucky strikes) عند إدوارد، وبتطلب منه حملة ترويج كبيرة، فبروح بيعمللهم شِعار للشركة بيقول "reach for lucky instead of sweet" بما معناه "أُحصلوا على لاكي-اسم اللشركة- بدلاً من الحلويات"، وكانت كل الحملة بتتمحور حول فكرة مفادها.....
أنَّ تدخين السجائر بدلاً من الحلوى رح يساعد النساء على تحقيق الأجسام المثالية، وليدعَم إدعاءاته هاي قام بتوظيف خبراء في الطب عشان يأكّدوا فكرة أنّ التدخين هو البديل الصحي لأكل الحلوى وإنّو رح يساعد النساء ينحفوا من خلاله، غير هيك راح تواصل مع المصورين والمجلات والصُحُف الشعبية...
...للمُساعدة في نشر وتأكيدة فكرة أنّ الأجسام النحيلة هي "الموضة الجديدة".
ساعدت الحملة على زيادة عدد النساء المُدخنّات في اميركا، لكن ما كانت الزيادة بالقدر الكافي للشركة، و حتى نسبة النساء القليلة يلي صارت تدخن كانوا يدخنوا بالخفية وبكميات قليلة لأن التدخين كان ممنوع عليهم.
وبالتالي لم يتم تحقيق الهدف المَرجو من حملة الترويج هاي. شو عمل ادوارد بيرنيز وقتها؟
كونه كان في توَجُّه موجود أصلا عند بعض النساء بالتدخين كطريقة رمزية في تحدّي السُلطة الذكورية، أراد إدوارد أن يستغل هاي الرمزية وهاد التوجه.
فقام بإستغلال حَدَث مرور موكب عيد الفصح بنيويورك سنة ال1929, وتعاقَد مع العديد من المُراهقات الناشطات في حقوق المرأة (يُقال ايضاُ انهم كانوا عارضات ازياء مش ناشطات) حتى ييشعلوا سجائر (لاكي-سترايك) علناً خلال العرض وبمواجهة الصحفيين المتعطشين لتغطية الحدث.....
..... وقام إدوارد بإستئجار مصورين خاصّين ايضاً ليتأكد إنّو صُوَر الحَدَث رح تكون عالية الجودة حتى يشوفوها العالم كله. وأطلق على السجاير يلي رح يدخنوها لقب "مشاعل الحرية". إدوارد كان عارف إنّو هيك منظر رح يثير ضجة الصحافة ويخلي البلد ما عندها سيرة إلا هالموضوع....
وبالتالي كل انثى بتحب تعلن استقلاليتها علانيةً كان كل ما عليها تعمله إنها تدخن سيجارة بالعلن، وبالتالي ينكسرالمحظور المنتشر وقتها بتحريم تدخين السجائر للفتيات أمام العامة، فتزيد مبيعات شركة الدخان كونهم نجحوا بالسيطرة على شريحة أوسع من المجتمع.
(لاحظوا معي كيف إثارة الجدل تبعته كانت بملايين مش بريال زي التايملاين الاردني).
المهم وقتها جريدة نيويورك تايمز (1 أبريل 1928) كتبت: "مجموعة من الفتيات نفثن السجائر في سبيل الحرية".
وغير حملة شركة الدخان، إدوارد خطط لحملات عديدة ومختلفة المجالات، منها مثلاً عمَلُه على إسقاط حكومة غواتيمالا المنتخبة ديمقراطيا ورئيسها جاكوبو جوزمان، وكان ذلك لمصلحة شركة فاكهة وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية فيما عرف بعملية إنقلاب غواتيمالا 195. وكانت من أكثر حملاته تطرفاً.
إدوارد كمان كان مسؤول عن العديد من العادات يلي منشوفها في الشعب الغربي وخاصة الأمريكي وبعض العادات العالمية متل: كونه هو المسؤول عن إقناع الأمريكيين أن الbacon (لحم الخنزير المقدد) والبيض هو الإفطار الحقيقى لكل الأمريكيين.
كمان ثقافة استخدام الاكواب الورقية المنتشرة من أميركا للعالم هو سببها، لما عمل حملة لشركة كاسات ورقية (Dixie Cup)، فكانت الحملة غرضها إقناع جمهور المستهلكين أن الأكواب الغير قابلة لإعادة الاستعمال هي الصحية.
بقولك كمان إنّو هو يلي أقنَع الرجال الامريكين إنهم يبطلوا يلبسوا أساور لأن الأساور شيء أُنثوي، وخلّاهم يبلشوا يلبسوا ساعات بإيديهم بدل من ساعة الجيب. وغيرها الكثير الكثير من الحملات الإعلانية يلي بتخدم جهات متعددة.
أخيرا، إحنا ليش عم نحكي عن إدوارد بيرنيز بالذات وليش مهم نعرف أفكاره وأعماله يلي تم توارثها ويتم استخدامها في عصرنا الحالي (في جميع المجالات سياسياً اقتصادياً اجتماعياً)؟
جواب هاد السؤال بدو ثريد تاني لكن بشكل مختصر منقدر نقول التالي:
إدوارد يؤمن أنّ أي فكرة (ذات خلفية سياسية أو إجتماعية أو اقتصادية إلخ..) يمكن تسويقها للجمهور من خلال استخدام البروباغندا إذا قدرنا نفهم عقلية المجتمعات بشكل جيّد.
اتطلعوا حواليكم رح تلاقوا أمثلة أكثر من ممتازة وعديدة الأنواع والأحجام والتأثيرات على هاد الكلام.(الامر لا يقتصر على الاستهلاكية، الأمر يمتد ليمس أمور أكثر أهمية وأكثر مصيرية).
بالمناسبة إدوار بيرنيز هو مخترع ما يسمى بال "علاقات العامة".
(مقطع قصير إلو وهو عجوز بيشرح كيف تلاعب حتى بمسماه الوظيفي😂)
You can follow @This_is_Renad.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled:

By continuing to use the site, you are consenting to the use of cookies as explained in our Cookie Policy to improve your experience.