عندما نتكلم عن المعرفة فنحن نتكلم عن عدة أشياء، ونحن نخصص هذه المعرفة عندما نقول أو ندعي أنها "علمية"، إن هذا التحديد يتضمن شروط معينة ودقيقة، وعن طريق هذه الشروط نميز بين المعارف، ولما كان الصراع قائماً بين المناطقة والمذهب الحسي في تحديد هذا المفهوم، كان يلزم توضح الخلاف.
المعرفة العلمية كما يقول راسل إنها المعرفة التي تقع في المجال الذي نستطيع أن ندركه كبشر أي في "الزمكان"، ولما كان (الTheologians) يقولون أنه يمكننا ان نستدل على ماهو خارج هذا الاطار "الزمكان"، فان ما يقولونه لا يقع ضمن واقعنا كبشر، ان واقعنا يتضمن دائما كلمتي here و now لكل حدث.
إن هذا الاختلاف هو نتيجة لاستخدام مختلف لما نقصده بالمنطقي، المناطقة يستخدمون المنطق الأرسطي (الصوري) الذي يعتمد قياسه البرهاني على القضايا الحملية ( الجمل الخبرية في اللغة)، أما راسل وكما الحسيين فانهم يستخدمون منطق اخر، وهو المنطق الرواقي الذي يلزم (دليل علة أو دليل معلول).
المنطق (الأرسطي) يعرف "بالصوري" لأنه لا يفحص مدى واقعية المقدمات، ولا النتيجة التي ينتهي اليها، ولكن يهتم فقط بعملية الاتساق بينهما، وكمثال:

مقدمة اولى : كل إنسان ذئب
مقدمة ثانية: مساعد إنسان
النتيجة: مساعد ذئب

هو صحيح في المنطق الارسطي، رغم ان المقدمة غير واقعية ولا حقيقية.
ويحق لهم أن يقولوا أنهم لا ينطلقون إلا من مقدمات معروفة بداهتا، كقول أن مساعد إنسان، وقول أن كل الإنسان فان.

كل إنسان فان
مساعد إنسان

اذا: مساعد فان

ولكن هذا لا يعني أن سبب فناء مساعد هو كونه إنسان بالمعنى الدقيق، ولكنه يعني أن الفناء إنما هو صورة من صور كون مساعد إنسان.
أما المنطق (الرواقي) أو العلمي كما يطلق عليه الحسيين، فهو يتعلق (بالجمل الشرطية في اللغة)، وهو بذلك منطق دليل ومدلول، وهو بذلك يكون وحده الصالح لعموم علوم الطبيعة، ويمكننا ملاحظة الفرق من خلال هذه الأمثلة:

إذا كان هذا معدن، إذاً يتمدد بالحرارة.

فهذا التعبير إنما يعبر عن اللزوم.
هذه الامثلة للتوضيح والتفريق؛

(قياس ارسطي): الفناء صورة من صور.

كل انسان فان ١)
مساعد انسان ٢)

اذا : مساعد فان

(قياس رواقي): طلوع الشمس علة مباشرة للنهار.

اذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ١)
الشمس طالعة ٢)

إذا : النهار موجود
وكما يتبين لنا في المثال، فالحسيين يقولون ان ماهو (علمي) يجب أن يخضع لإمكانية تجربته لمعرفة العلاقة بين السبب والنتيجة، وعندما لا نستطيع ان نتحقق بالتجربة كما هو في (archeology) وغيرها، فنحن نستدل بالقرائن ونعطيها درجة معينة من الصدق لكن ليست بدرجة صدق ما نستطيع برهانه بالتجربة.
ان التشديد على "التجربة" إنما كان نتيجة الإستسلام لنقد (هيوم) للإستقراء ونقده كان كالتالي؛

"إنه الزعم بأن الأحداث التي لم نختبرها بعد يجب أن تكون مثل التي اختبرناها، وأن مسار الطبيعة سيستمر في ثبات على الدوام هو نوع من انواع الرجم بالغيب والإنسان لا يستطيع أن يقيم هذه الدعوة".
ويكمل هيوم فيقول "إن هذه الدعوة لا تصح لا من حيث المنطق ولا التجربة، فلا المنطق يجيز ادعاء أن المستقبل كالماضي إلا إذا افترضنا أنه كالماضي وهذه في حد ذاتها (مغالطة منطقية) وكذلك من حيث التجربة فإن ظواهر المستقبل مجهولة فلا يمكن مقارنة مجهول بمعلوم".
إن حجة هيوم كانت بمثابة المطرقة التي سقطت على هذا الزعم، وهي عينها المطرقة التي ايقظت كانط وجعلته يسلم وينتهي إلا أن مبدأ السببية الذي يتضمن (الإستقراء) لا وجود له خارج عقل الإنسان (العالم الخارجي)، وكانت كل أعماله بعد ذلك إنما عبارة عن محاولات لإنقاذ المعرفة البشرية عموماً.
You can follow @mmajdeli.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled:

By continuing to use the site, you are consenting to the use of cookies as explained in our Cookie Policy to improve your experience.